كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أبا منذر رمت الوفاء فهبته ** وحدت كما حاد البعير عن الدحض

{وَنُفِخَ فِي الصور} يعني نفخة البعث.
{ذَلِكَ يَوْمُ الوعيد} الذي وعده الله سبحانه للكفّار يلعنهم فيه.
{وَجَاءَتْ} ذلك اليوم {كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ} يسوقها إلى المحشر {وَشَهِيدٌ} شهد عليه بما عملت في الدّنيا من خير أو شرّ. وروي أنّ عثمان بن عفّان خطب، وقرأ هذه الآية، فقال: السائق يسوقها إلى الله سبحانه، والشاهد يشهد عليه بما عملت، وقال الضحّاك: السائق الملائكة، والشاهد من أنفسهم الأيدي، والأرجل. وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس، وقال أبو هريرة: السائق الملك، والشهيد العمل، وقال الباقون: هما جميعًا من الملائكة، فيقول الله سبحانه لها: {لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هذا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ} ورفعنا عنك عماك، وخلّينا عنك سترك، حتّى عاينته.
{فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ} قوي، نافذ، ثابت، ترى ما كان محجوبًا عنك. وروى عبدالوهاب، عن مجاهد، عن أبيه {فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ} قال: نظرك إليّ لبيان ميزانك حين توزن حسناتك، وسيّئاتك.
وقيل: أراد بالبصر العلم، علِمَ حين لم ينفعه العلم، وأبصر حين لم ينفعه البصر. وقرأ عاصم الجحدري {لَّقَدْ كُنتَ} بكسر (التاء)، وبكسر (الكاف)، رد الكتابة إلى النفس.
{وَقال قَرِينُهُ} الملك الموكّل به {هذا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} معد محفوظ محضر، قال مجاهد: هذا الذي وكّلني به من بني آدم، قد أحضرته، وأحضرت ديوان أعماله، فيقول الله سبحانه لقرينه: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} قال الخليل، والأخفش: هذا كلام العرب الصحيح أن يخاطب الواحد بلفظ الاثنين، وهو جيد حسن، فيقول: ويلك أرحلاها، وازجراها، وخذاه واطلقاه للواحد. قال الفراء: وأصل ذلك إذا دنا أعوان الرجل في إبله، وغنمه، وبقره، اثنان، فجرى كلام الواحد على صاحبيه، ومنه قولهم للواحد في الشعر: خليلي (ثم يقول: يا صاح). قال امرؤ القيس:
خليلي مُرّا بي على أُمّ جندب ** نقض لبانات الفؤاد المعذّب

وقال:
قِفا نبك عن ذكرى حبيب ومنزل

وقال: قفا نبك من ذكرى حبيب وعروان.
قال الآخر:
فقلت لصاحبي لا تعجلانا ** بنزع أصوله واجتز شيحا

وأنشد أبو ثروان:
فإن تزجرني يابن عفان أنزجر ** وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا

وقيل: يشبه أن يكون عني به تكرار القول فيه، فكأنّه يقول: إلق إلق، فناب ألقيا مناب التكرار، ويجوز أن تكون ألقيا تثنية على الحقيقة، ويكون الخطاب للمتلقيين معًا أو السائق والشاهد جميعًا، وقرأ الحسن (ألقينْ) بنون التأكيد الخفيفة، كقوله: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّن الصاغرين} [يوسف: 32] {كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} عاص معرض عن الحقّ، قال مجاهد وعكرمة: مجانب للحقّ معاند لله.
{مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ} أي للزكاة المفروضة، وكلّ حقّ واجب في ماله.
{مُعْتَدٍ} ظالم.
{مُّرِيبٍ} مشكّك، وقال قتادة: شاك ومعناه: إنّه داخل في الريب {الذي جَعَلَ مَعَ الله إلها آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي العذاب الشديد} وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة، فأراد بقوله: {مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ} أنّه كان يمنع بني أخيه عن الإسلام، ويقول: لئن دخل أحدكم في دين محمّد لا أنفعه بخير ما عشت.
{وَقال قَرِينُهُ} يعني الشيطان الذي قُيّض لهذا الكافر العنيد {رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ} ما أضللتُه، وما أغويته.
وقال القرظي: ما أكرهته على الطغيان.
{ولكن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ} عن الحقّ فتبرأ شيطانه عنه، وقال ابن عبّاس، ومقاتل: قال قرينه يعني الملك، وذلك أنّ الوليد بن المغيرة يقول للملك الذي كان يكتب السيئات: ربّ إنّه أعجلني، فيقول الملك ربّنا ما أطغيته، ما أعجلته، وقال سعيد بن جبير: يقول الكافر: ربِّ إنّ الملك زاد عليَّ في الكتابة، فيقول الملك: ربّنا ما أطغيته، يعني ما زدت عليه، وما كتبت إلاَّ ما قال وعمل، فحينئذ يقول الله سبحانه: {قال لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ} فقد قضيت ما أنا قاض.
{وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بالوعيد} في القرآن حذّرتكم، وأنذرتكم، فلا تبديل لقولي ولوعيدي. قال ابن عبّاس: إنّهم اعتذروا بغير عذر، فأبطل الله حجّتهم، ورد عليهم قولهم {مَا يُبَدَّلُ القول لَدَيَّ} وهو قوله: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} [هود: 119]، وقال الفرّاء: معناه ما يكذب عندي لعلمي بالغيب {وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} فأعاقبهم بغير جرم أو أجزي بالحسن سيّئًا.
{يَوْمَ نَقول لِجَهَنَّمَ} قرأ قتادة، والأعرج، وشيبة، ونافع (نقول) (بالتاء)، ومثله روى أبو بكر عن عاصم، اعتبارًا بقوله، قال: لا تختصموا لديّ، وقرأ الحسن يوم (يقال) وقرأ الباقون يوم (نقول) (بالنون) (لجهنّم) {هَلِ امتلأت} لما سبق من وعده إيّاها أنّه يملأها {مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} [هود: 119] وهذا السؤال منه على طريق التصديق بخبره، والتحقيق لوعده والتقريع لأهل عذابه، والتنبيه لجميع عباده.
{وَتَقول هَلْ مِن مَّزِيدٍ} يحتمل أن يكون جحدًا مجازه ما من مزيد، ويحتمل أن يكون استفهامًا، بمعنى هل من مزيد، فأزاده وإنّما صلح {هَلْ} للوجهين جميعًا، لأنّ في الاستفهام ضربًا من الجحد، وطرفًا من النفي، قال ابن عبّاس: إنّ الله سبحانه وتعالى، قد سبقت كلمته {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} [هود: 119، السجدة: 13] فلمّا بعث للنّاس، وسبق أعداء الله إلى النار زمرًا، جعلوا يقحمون في جهنّم فوجًا فوجًا، لا يلقى في جهنّم شيء إلاّ ذهب فيها، ولا يملأها شيء.
فقالت: ألست قد أقمت لتملأني؟ فوضع قدمه عليها، ثمّ يقول لها: هل امتلأت؟ فتقول: قط قط، قد امتلأت، فليس من مزيد. قال ابن عبّاس: ولم يكن يملأها شيء حتّى مس قدم الله فتضايقت فما فيها موضع إبرة، ودليل هذا التأويل ما أنبأني عقيل، قال: أخبرنا المعافى، قال: أخبرنا ابن جرير، قال: حدّثنا بشر، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تزال جهنّم يلقى فيها، وتقول: هل من مزيد؟ حتّى يضع ربّ العالمين فيها قدمه، فتتزاوي بعضها إلى بعض، وتقول: قد قد بعزّتك، وكرمك، ولا يزال في الجنّة فضل، حتّى ينشئ الله سبحانه لها خلقًا، فيسكنهم فضل الجنّة».
وأخبرنا ابن حمدون، قال: أخبرنا ابن الشرقي، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى، وعبد الرّحمن بن بشر، وأحمد بن يوسف، قالوا: حدّثنا عبد الرزّاق، قال: أخبرنا معمر، عن همام ابن منبه، قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة، عن محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تحاجت الجنّة والنّار، فقالت النّار: أُوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين، وقالت الجنّة: فما لي لا يدخلني إلاّ ضعفاء الناس وسقطهم؟ فقال الله سبحانه للجنّه: إنّما أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنّار: إنّما أنت عذابي، أُعذّب بك من أشاء من عبادي، ولكلّ واحدة منكما ملأها، فأمّا النار، فإنّهم يلقون فيها وتقول: هل من مزيد؟ فلا تمتلئ حتّى يضع الله سبحانه وتعالى فيها رجله فتقول: قط قط، فهناك تمتلأ وتزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحدًا، وأمّا الجنّة، فإنّ الله عزّ وجلّ ينشئ لها خلقًا».
قلت: هذان الحديثان في ذكر القدم، والرجل، صحيحان مشهوران، ولهما طرق من حديث أبي هريرة، وأنس، تركتُ ذكرهما كراهة الإطالة، ومعنى القدم المذكور في هذا الحديث المأثور قوم يقدمهم الله إلى جهنّم، يملأها بهم، قد سبق في عمله إنّهم صائرون إليها وخالدون فيها، وقال النضر بن شميل: سألت الخليل بن أحمد عن معنى هذا الحديث، فقال: هم قوم قدمهم الله للنار، وقال عبد الرّحمن بن المبارك: هم مَن قد سبق في علمه أنّه من أهل النّار. وكلّ ما يقدم، فهو قدم. قال الله سبحانه: إنّ لهم قدم صدق عند ربّهم، يعني أعمال صالحة قدّموها، وقال الشاعر يذمّ رجلا:
قعدت به قدم الفجار وغودرت ** وعود ربّ أسبابه من فتنة من خالق

يعني ليس له ما يفتخر بهم.
على انّ الأوزاعي روى هذا الحديث عن حسّان بن عطية، حتى يضع الجبّار قِدمه بكسر القاف، وكذلك روى وهب بن منبه، وقال: إنّ الله سبحانه كان قد خلق قومًا قبل آدم، يقال لهم: القدم، رؤوسهم كرؤوس الكلاب والذباب، وسائر أعضائهم كأعضاء بني آدم، فعصوا ربّهم، وأهلكهم الله، يملأ الله بهم جهنّم حين تستزيد. وأمّا الرِجل فهو العدد الكبير من الناس وغيرهم.
يقال: رأيت رِجلًا من الناس، ومرّ بنا رجل من جياد، وقال الأصمعي: سمعت بعض الأعراب تقول: ما هلك على رِجل نبيّ من الأنبياء ما هلك على رِجل موسى، يعني القبط، وقال الشاعر:
فمرّ بنا رِجل من النّاس وانزوى ** إليهم من الحيّ اليمانين أرجل

قبائل من لخم وحمير ** على ابني نزار بالعداوة أحفل

ويصدق هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم في سياق الحديث: «ولا يظلم الله من خلقه أحدًا»، فدلَّ أنّ الموضوع الملقى في النّار خلق من خلقه، وقال بعضهم: أراد قَدم بعض ملائكته ورِجله، وأضاف إليه كقوله: {وسئل القرية}. والله أعلم.
{وَأُزْلِفَتِ} وأدنيت {الجنة لِلْمُتَّقِينَ} حتّى يروها قبل أن يدخلوها.
{غَيْرَ بَعِيدٍ} منهم وهو تأكيد، ويقال لهم: {هذا مَا تُوعَدُونَ} في الدنيا على ألسنة الأنبياء.
{لِكُلِّ أَوَّابٍ} توّاب، عن الضحّاك. وقيل: رجّاع إلى الطاعة عن ابن زيد، وقال ابن عبّاس وعطاء: الأوّاب المسبِّح من قوله سبحانه: {ياجبال أَوِّبِي} [سبأ: 10]. الحكم بن عيينة: هو الذاكر لله في الخلاء. الشعبي ومجاهد: الذي يذكر ذنوبه في الخلاء، فيستغفر منها. قتادة: المصلّي. مقاتل بن حيان: المطيع. عبيد بن عسر: هو الذي لا يقوم من مجلسه حتى يستغفر الله تعالى. أبو بكر الورّاق: المتوكّل على الله سبحانه في السراء والضراء لا يهتدي إلى غير الله. المحاسني: هو الراجع بقلبه إلى ربّه. القاسم: هو الذي لا ينشغل إلاّ بالله.
{حَفِيظٍ} قال ابن عبّاس: هو الذي حفظ ذنوبه حتّى يرجع عنها. قتادة: حفيظ لما استودعه الله سبحانه من حقّه ونعمته. وعن ابن عبّاس أيضًا: الحافظ لأمر الله. الضحّاك: المحافظ على نفسه المتعهّد لها. عطاء: هو الذي يذكر الله في الأرض القفر. الشعبي: هو المراقب. أبو بكر الورّاق: الحافظ لأوقاته وهماته وخطواته. سهل: المحافظ على الطاعات والأوامر.
{مَّنْ خَشِيَ} في محلّ مَن وجهان من الإعراب: الخفض على نعت الأوّاب، والرفع على الاستئناف، وخبره في قوله ادخلوها، ومعنى الآية من خاف {الرحمن بالغيب} ولم يره، وقال الضحّاك والسدّي: يعني في الخلاء حيث لا أحد، وقال الحسن: إذا أرخى الستر وأغلق الباب.
{وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} مقبل إلى طاعة الله. قال أبو بكر الورّاق: علامة المنيب أن يكون عارفًا لحرمته، مواليًا له، متواضعًا لحلاله تاركًا لهوى نفسه.
{ادخلوها} أي يقال لأهل هذه الصفة: ادخلوها {بِسَلاَمٍ} بسلامة من العذاب وسلام الله وملائكته عليهم، وقيل: السلامة من زوال النعيم وحلول النقم.
{ذَلِكَ يَوْمُ الخلود لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} يعني الزيادة لهم في النعم ممّا لم يخطر ببالهم، وقال جابر وأنس: هو النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى بلا كيف.
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُواْ فِي البلاد} قال ابن عبّاس: أثروا. مجاهد: ضربوا. الضحّاك: طافوا. النضر بن شميل: دوحوا. الفرّاء: خرقوا. المؤرخ: تباعدوا. ومنه قول امرئ القيس:
لقد نقبّت في الأفاق حتّى ** رضيت من الغنيمة بالإيابِ

وقرأ الحسن {فنقّبوا} بفتح القاف مخفّفة. وقرأ السلمي ويحيى بن معمر بكسر القاف مشدّدًا على التهديد والوعيد أي طوّفوا في البلاد، وسيروا في الأرض، فانظروا {هَلْ مِن مَّحِيصٍ} من الموت وأمر الله سبحانه.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي في القرى التي أهلكت والعِبر التي ذكرت {لذكرى} التذكرة {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} أي عقل، فكنّي عن العقل بالقلب لأنّه موضعه ومتبعه. قال قتادة: لمن كان له قلب حيّ، نظيره {لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا} [يس: 70]، وقال الشبلي: قلب حاضر مع الله لا يغفل عنه طرفة عين، وقال يحيى بن معاذ: القلب قلبان: قلب قد احتشى بأشغال الدنيا حتى إذا حضر أمر من أمور الآخرة لم يدر ما يصنع من شغل قلبه بالدنيا. وقلب قد احتشى بأهوال الآخرة، حتّى إذا حضر أمر من أمور الدنيا لم يدر ما يصنع لذهاب قلبه في الآخرة. وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سألت أبا الحسن علي بن عبد الرّحمن العباد عن هذه الآية، فقال: معناها إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب مستقرّ لا يتقلّب عن الله في السراء والضراء.
{أَوْ أَلْقَى السمع} أي استمع القرآن، يقول العرب: ألقِ إليَّ سمعك أي استمعْ، وقال الحسين بن الفضل: يعني وجه سامعه وحولها إلى الذكر كما يقال اتبعي إليه.
{وَهُوَ شَهِيدٌ} أي حاضر القلب، وقال قتادة: وهو شاهد على ما يقرأ ويسمع في كتاب الله سبحانه من حبّ محمّد صلى الله عليه وسلم وذكره.
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} إعياء وتعب.
نزلت في اليهود حيث قالوا: يا محمد أخبرنا ما خلق الله تعالى من الخلق في هذه الأيّام الستّة؟
فقال صلى الله عليه وسلم «خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد والاثنين، والجبال يوم الثلاثاء والمدائن والأنهار والأقوات يوم الأربعاء، والسماوات والملائكة يوم الخميس، إلى ثلاث ساعات من يوم الجمعة وخلق في أوّل الثلاث ساعات الآجال، وفي الثانية الآفة، وفي الثالثة آدم».
قال: قالوا: صدقت إن أتممت. فقال: وما ذاك؟ فقالوا: ثمّ استراح يوم السبت واستلقى على العرش فأنزل الله سبحانه هذه الآية.
{فاصبر على مَا يَقولونَ} فإنّ الله سبحانه لهم بالمرصاد، {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} يعني قل: سبحان الله والحمد لله. عن عطاء الخراساني، وقال الآخرون: وصلّ بأمر ربّك وتوفيقه، {قَبْلَ طُلُوعِ الشمس} يعني صلاة الصبح، {وَقَبْلَ الغروب} صلاة العصر، وروي عن ابن عباس، {وَقَبْلَ الغروب}: يعني الظهر والعصر، {وَمِنَ الليل فَسَبِّحْهُ} يعني صلاة العشائين، وقال مجاهد: من الليل كلّه، يعني: صلاة الليل، في أي وقت صلّى، {وَأَدْبَارَ السجود} قال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبو هريرة والحسن بن علي والحسن البصري والنخعي والشعبي والأوزاعي: أدبار السجود: الركعتان بعد المغرب، وأدبار النجوم: الركعتان قبل الفجر، وهي رواية العوفي عن ابن عباس، وقد روي عنه مرفوعًا أخبرنيه عقيل قال: أخبرنا المعافى، قال حدثنا ابن جرير، قال: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن فضيل عن رشيد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم «يا ابن عباس ركعتان بعد المغرب أدبار السجود».
وقال أنس بن مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صلّى بعد المغرب ركعتين قبل أن يتكلم كتبت صلاته في عليّين»، قال أنس: يقرأ في الركعة الأولى: {قُلْ يا أيها الكافرون} [الكافرون: 1] وفي الأخرى: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} [الصمد: 1].
قال مقاتل: وقتهما مالم يغب الشفق، وقال مجاهد: هو التسبيح باللسان في أدبار الصلوات المكتوبات، ورواه عن ابن عباس. وقال ابن زيد: هو النوافل أدبار المكتوبات. واختلف القراء في قوله: {وَأَدْبَارَ}، فقرأ الحسن والأعرج وخارجة وأبو عمر ويعقوب وعاصم والكسائي: بفتح الألف، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، وقرأ الآخرون: بالكسر، وهي قراءة عليّ وابن عباس.